جائزة بوزغيبة بين الفاهم والفويهم
رغم مرور 21 سنة من التفاعل المجتمعي، ورغم بروزها دوليا
كفكرة رائدة تعزز الفضاء الثقافي في شموليته ، لازالت جائزة بوزغببة تثير لذا
بعض أشباه الصحافيين إحساس غامض ولبس معرفي ، خاصة أولائك الذين يبحثون عن الريع
بشتى الطرق، دون بذل أي مجود،
ويلهثون وراء فتات الأدسانس ، أكثر من البحث عن الحقيقة وخدمة التاريخ. من حسن الحض
أن هذه الفئة لا تمثل إلا قلة قليلة.
الفاهم يتجاوب معها بسرعة، والفويهم البليد يتباطأ بشكل
مريب أو يتنكر لوجودها، كأنها تسبب له إحراج في ذكر اسمها ، أو إسهال (صريصرة)
تحتم عليه الذهاب إلى المرحاض بلا توقف . يتهاون عن قصد أو عن جهل وكلاهما سيء ،
ليترك الرداءة تلعب به ، وتتقاذف به من مأزق إلى أخر.
أنا لا أعاتب المؤسسات بقدر ما أعاتب مسيريها والعاملين
فيها. فالذكتور المنجرة ليس هو لعرايشي . تلفزة المنجرة كانت أكثر ذكاء، رغم هيمنة الأوليغارشية
عليها . ألوم الوكالة الرسمية للأنباء على حربائية سلوكها ، مرة تساندك ومرة
تتجاهلك، كأنك غير موجود، وأعاتب التلفزة المغربية على اعتمادها المرضي السيكوباتي على مبدأ " كم من أمور قضيناها بتركها
". لكن رغم الحضر التلفزي استطاع المشروع الثقافي أن يشق طريقه ويفرض نفسه، رغم المنع الشبيه بالميز العنصري. نراها كل يوم
تفتح المجال للتفاهة، وتتجنب عن قصد وسابق إصرار كل ما هو جاد ومفيد للعامة. دافعو
الضرائب يستحقون تلفزة في مستوى تطلعاتهم.
أقولها بصراحة وبدون تردد : لو منحت (بضم الميم وكسر النون) الجائزة رقم 21
لواحد من النافدين
المقربين من القصر ، أو لوجه من الوجوه "اللي ما معاها لعب" لرأينا مستخدميها يهرولون نحوي بسرعة البرق ،
بميكروفوناتهم وكاميراتهم لمحاورتي في داري ، مع إلزامية تنبيههم بعدم
نسيان الدورات المستقبلية، مع احتمالية
تدخل مؤسسة الهاكا ( المراقب العام للسمعي
البصري بالمغرب ) لتوبيخ مدير القناة التلفزية
لعدم تغطية الحدث إن هو فعل ذلك. تم من يدري قد تؤدي الأقدار البوزغيبية إلى مثل
هذا السيناريو المشوق ،
والمثير للشفقة في آن واحد؟
من كان له حساب مع المتوج (بنصب الواو والتاء) فذلك شأنه . ومن كان له خلاف مع
المتوج (بكسر الواو) فعليه أن
يفصح عن ذلك ، وفقا لما قاله الأقدمون
:" الخبر مقدس والتعليق حر". أما الحضر فليس من شيم الرجال الشهام، والنساء القويات صاحبات العزيمة
الفولاذية. الأمر واضح بما فيه الكفاية، ولا فائدة في التكرار. نقطة إلى السطر.
لمن تعذر
عليه الفهم عن حسن نية وبصدق، كونه شابا يافعا حديث الولوج لمهنة المصاعب والمصائب،
ولا يعرف أن مؤسس هذه الجازة العابرة للثقافات مارس النقد الفني طيلة أزيد
من أربعين سنة، ونشر لحد ألآن 13
كتابا ( 7 بفرنسا، واحد بكندا، والباقي
بالمغرب) كرمه الأجانب قبل بني جلدته ، ورحبوا بالمجيء عندهم ، لكنه رفض فكرة الهجرة واللجوء، وكذلك كان السبب الرئيسي في الظهور
لعدة أسماء أصبح لها شأن ومنزلة، ك رشيد
نيني، وفوزي بنسعيدي، ومنى فتو، وبشرى إيجورك، وووو.... أقترح على هؤلاء جميعا
التوضيح التالي ، وعليهم أن يقرؤوا المقال حتى النهاية ، وإلا سيبقون في دار
غفلون، واللعنة كل اللعنة على من أهمل.
لفهم عمق جائزة بوزغيبة لابد من الرجوع إلى مادتين
صحفيتين ، مقال لي صدر في جريدة الإتحاد الإشتراكي في 5 فبراير 2011 ، تحت عنوان
"محمد البحتوري وفيزيولوجية النقد البناء"، والذي لا زال موقع مغرس
يحتفظ به كأرشيف، ويمكن الإطلاع عليه بالنقر على الرابط
https://maghress.com/alittihad/123053
تم الحوار الذي أجراه معي الشاعر الصحفي محمد بلمو، سنة 2018 ، والذي نشرته عدة مواقع إعلامية ك"ريتاج بريس"، و"المجلة الفنية
"
"....eljareedah.com" و "zoomnews.maو "
لماذا البحتوري ، ولماذا إهداء الجزء المونوغرافي الثاني
له (الكتاب صدر في فرنسا في حلتين ورقية وإلكترونية)؟
الجواب بسيط جدا، لأنه بحث مليا في موضوع بوزغيبة وتعمق
في خصائص هذه النبتة التي تختار الأراضي الفوسفاتية لنموها، موضحا وظائفها
البيولوجية والفيزيولوجية، كما ركز على رمزية الاستبطان والاستقراء والتوطين
المتعلق ببوزغيبة الأيقونة ، أي الرمز الذي تبنيته كفنان تشكيلي ليصبح فيما بعد
رمزا لجائزة دولية قوامها لوحة وكتاب ، وقدر لا يستهان به من الموضوعية.
كذلك تنبأ،
سنوات قبل وفاته، بأن طريق بوزغيبة
لن تكون سهلة وبدون عراقيل، لأن سوء الفهم يهدد مسارها، مشيرا إلى مقت الحساد والأقلام
المأجورة، وأصحاب "الكرمومة" المرتشين الذين لا يكتبون سطرا إلا مقابل إتاوات
. كلما دفعت أكثر نقشوا لك تمثالا مبهرا، وزينوا لك الإسم بحروف من ذهب. أما أولائك
الذين مزقت الشوفينية العمياء كيانهم المعرفي، فهم ضحايا البروباغاندا.
يقول الناقد الفني محمد البحتوري في كتابه ، الذي
دونه قبل وفاته:"فرحي مرده لكون هذا
المتمرد في زيغه الفني ، خارج السكك المسكوكة، استطاع أن يتمكن من توطين وتجذير
تجربته الفنية ، بعدما اكتشف أن السبيل الوحيد إلى ذلك هو ضرورة ربطها بنبتة
طبيعية مغربية قحة، لها جذور عميقة في التربة المغربية عبر تاريخها (....) لذا اكتشفها
عبدالرزاق الفنان متأهلة برشد ولياقة وجودية فائقة، لأن تكون المرايا العاكسة
لتعدد وجوه وأقنعة المسلكيات التي تسطو وتهيمن على طقوس عبور حياة أرضنا، في
جريانه المتلخبط والمدوخ، تم استنبطها بذكاء عبقري، بعدما اقتنصها عبر استقراء للطبيعة
والواقع. بمثل هذه التجربة
يتأتى لفننا أن يمسك بخصائص هويتنا في تأسيسه وتكونه من داخله، وتطوره من نباتاته
ومنابع مشاربه، كما حصل في تأسيس الفن الأوروبي الحديث حيث أكد الفنان ارتباطه
بطبيعته وأرضه."
أما بخصوص التفاعل الإعلامي يضيف البحتوري: " فسرت سابقا مرد فرحي وارتباكي، أما مرد حزني فإلي سطوة اللامبالاة وعدم الإهتمام
حيال هذه التجربة الصادقة والمتجذرة والموطنة، ومثيلاتها الجادة،
وهذا من شأنه أن يسبب
الإحساس بالإحباط لدى الفنانين الجادين بكل إخلاص، سيما وأن الضجيج أحيانا يتصاعد حول التافه والغث، ويكون
نابعا من إيلاف الإخوانيات والحواريين، ويكون النفخ المجاني."
وأخيرا وليس آخرا أختم هذا المقال التوضيحي بشيء من الدعابة بما يلي: في إحدى التصريحات التي أدلت بها
المغنية سميرة سعيد للصحافة، قالت بدون
حرج، بأنها لا تجد أي عيب في أن يشتري المطربون والمطربات الجوائز. كناقد فني سارعت
في الرد عليها بمقال عنونته "لا
لشراء الجوائز".
بيني وبينكم، ألم أكن مخطئا، خاصة أننا نعيش عصر
الماديات بامتياز، عصر "عبيد الصنك المعبود"؟
لولا المبادئ لصرت من الأثرياء. أبدأ بالتي غنت "سرقوه
يامي وداوه" ، واختم الصفقة بالذي
غنى ''وانت دايز طل علينا وشوفنا واش حنا لا باس". (لا ماكين باس ، البواسير
مشات مع لقويلبات). أما الخليجي الذي غنى في مهرجان الموسيقى الروحية ياحسرة، "وادلالي
واش تيقولو فينا، واش تيقولو فينا صلوا على نبينا" . سأطلب منه رقما خياليا،
لأنه ضحك على المغاربة أجمعين ، جهالا ومتمدرسين، ما عدا مبدع شخصية بوزغيبة
الهزلية. لو كان من أهل الحل والعقد، لما سمح لمثل هذه الأغاني الباسلة والمستفزة أن تنتشر .
رزاق عبدالرزاق
مؤسس جائزة بوزغيبة الدولية للفن الساخر
No comments:
Post a Comment