Sunday, June 18, 2017

الحراك المغربي و برلمان الشارع


الحراك المغربي و برلمان الشارع
  

''إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجه لوجه مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني''. هذا ليس بيت شعري لمحمود درويش ، أو عبدالله ازريقة،   وإنما مقولة معبرة  منسوبة للطبيب الثائر أرجنتيني  الأصل  إرنستو تشي جيفارا. هذه العبارة المدوية تكاد تفسر أسباب ودواعي كل المظاهرات الجماهيرية على وجه المعمور. لأن الظلم يؤجج الاحتجاج . فبعد  تحول الأنظمة الديمقراطية إلى أنظمة بوليسية محضة،  تحت ذريعة محاربة الإرهاب، انتشر الظلم  بشكل رهيب . ولمواجهة الطغيان ، عاد الشارع إلى سابق عهده ، حيث  صار برلمانا لمن لا برلمان له .

ففي  انعدام تمثيلية حقيقية  للشعب ، تلجا فِئات  عديدة للتظاهر السلمي لإبلاغ مطالبهم ، عبر الهواء الطلق،  لمن يهمهم الأمر والتعبير عن سخطهم اتجاه قرارات سياسية  لا شعبية أو استفزازية. هكذا خرج الناس في المدن  المغربية وفي مناسبات عديدة للاحتجاج على غلاء المعيشة وعلى الزيادات الصاروخية فى  فاتورة  الماء والكهرباء،  كما خرجوا للتضامن  مع  أشقائهم في  مدن مغربية أخرى كسكان  الحسيمة، الذي يعانون  الأمرين في محنتهم اليومية،  التي زادتها هولا وبشاعة المزايدات  السياسوية لقاطني القبة البرلمانية،  والتأويلات الخاطئة ، وفتاوى وزارة الأوقاف ، التي حولت المساجد إلى قلاع حرب إيديولوجية. وكل مقاربة تبتعد عن الحوار الصادق والمباشر مع  المحتجين المتضررين، تؤدي إلى نتائج عكسية. وبما أن أوراق الوسائط المجتمعية (أحزاب إدارية متحكم في مصيرها بوسائل ريعية ، نقابات  طفيلية ، كيانات و جمعيات ذات نفع خاص ...) قد احترقت بحطب الانتهازية والخنوع ، فلم يبقى إلا الشارع ، للتعبير عن السخط والإفصاح  عن المطالب . منها ما هو جوهري  و آني كبناء المستشفيات و البنيات التحتية الضرورية، ومنها ما هو هوياتي كمحو بعض الأوصاف الخبيثة التي تؤجج الغضب حتى في نفوس المسالمين السلميين. وصف سكان منطقة بكاملها بالأوباش لم يكن في مستوى اللياقة البيداغوجية والدبلوماسية. لأن في التعميم مضرة. والعقل المتزن لا ينساق في مثل هاته المستنقعات التي تجلب الضرر.  فمهما كان الوزن الاجتماعي للشخص المتكلم والمقرر ،  يبقى رهين تصرفاته وأقواله ، قد يرحل عن الدنيا لكن أخطاءه لا يمحيها الزمن، خاصة إذا كان من العليين الذين تعتبر كلماتهم أوامر. وهذا هو ما وقع مع أهل الريف الذين ذاقوا درعا من تراكم الإهمال و أللامبالاة،  ومن المشاريع الوهمية والزعامات الكارتونية، كذلك من لغة الخشب التي لا تسمن ولا تغني من جوع.  وكان لكلمة ''أوباش'' وقع سيء  في نفوس الأجيال الريفية الصاعدة التي وجدت ضالتها  في شيوع وسائط التواصل  السيبرنتيقي و التليفوني الرقمي المعزز بالتقنيات ألاسلكية . وبما أن البطالة منتشرة ليس فقط في منطقة الريف بل في ريوع المملكة،  فالوضع المتأزم  يضل مرشحا  لكثير من الاضطرابات، و لن تزيدها سلسلة الاعتقالات إلا مزيدا من الاحتقان الذي يولد الانفجار الكلي ، مع قابلية الانتشار إلى مناطق أخرى.

قد تنتهي المحاكمات وفق ما يمليه الضمير البوليسي،  لكن سوف تنتفض القوى الحقوقية ببقاع العالم ويتم العفو، لكن ستظل القضية  مشتعلة مادامت الحلول الشافية  لم تجد الطريق لتبرهن عن جدواها .  ومن تبعات هذا الحراك ، هو المساس بالصورة الديناميكية التي ظهر بها المغرب في السنوات الأخيرة . فكيف يمكن له  أن يقنع  الأفارقة  بجدوى المشاريع  الاستثمارية التي  أطلقها بشراكة معهم ،  وهو لم يفلح حتى في ضمان حاجيات منطقة  صغيرة  بحجم علبة صغيرة ؟

ليعي المسئولون أن بنية المجتمع قد تغيرت، بشكل جدري . في القديم كان الماركسيون يستعملون كلمة ''بروليتاريا'' ، أما اليوم وبعد بزوغ شمس الربيع العربي، الذي اعتقد بعض الانهزاميين والبلطجية بأنه تحول إلى  خريف. و مع انتشار الانترنت   صار علماء الاجتماع يستعملون عبارة  برونتاريا ،  لأنها  مبنية على  كلمة ''نت'' ، التي تعني ''ويب'' أي الانترنت. أما الكارثتين العظميين المسميتين  في مجال الإعلام القطب العمومي  ولاماب،  فقد حان وقت تغيير مديريهما ، وتغيير خطهما التحريري، إن كان أصلا لهما خط تحريري. لوضع حد للمهازل والمزلات التي تورطا في ارتكابها.

خرج أهل الريف  للشارع لإسماع صوتهم،  لأنه لقد  بلغ السيل الزبى . بالأمس كان سكان صفرو مع موعد مع التاريخ النضالي فخلقوا الحدث.  تحركوا لأن غلاء المعيشة نخر جسمهم و أستنفد  مدخراتهم . بعدهم خرج سكان مدينة أسفي لاحتجاج عن أطنان النفايات المستوردة من ايطاليا، حيث كاد الاحتجاج السلمي أن يتحول إلى ما هو أسوء . كل هذه التحركات تؤشر وتشير  لشيء واحد وهو أن هاجس الخوف الذي كان يهيمن ويتحكم في النفوس مند أيام الجمر سيئة الذكر، قد اختفى . و أن الشعب شمر عن ذراعيه لنزع بعض الحقوق، وفرض الاحترام الذي سيستحقه كباقي شعوب العالم .

فبخروج ألاف المتظاهرين بالعاصمة تضامنا مع أهل الريف  في انتفاضتهم ، وجد الفبرايريون القدامى فرصة للإثبات  للعالم إن الشعلة لم تنطفئ و أن العدالة الاجتماعية تبقى هي المبتدأ والخبر .   

بدأنا المقال بمقولة طبيب فضل العيش مع المقهورين والمضطهدين في الأرض ، نختمه بكلمة أخرى  أكثر عمقا خصصها  للرأسمال  الرمزيّ: '' ماذا يفيد المجتمع إذا ربح الأموال وخسر الإنسان؟ ''

رزاق عبدالرزاق



Sunday, June 11, 2017

حديث الجمجمة

حديث الجمجمة


أتوصل يوميا بدعوات شخصية، عبر البريد الإلكتروني ، لكن مند زمان بعيد تعودت على عدم حضور اللقاءات التي يصفها المنضمون الرسميون بالصحافية، وهي في الحقيقة غير ذلك ، لأن الإملائي يطغى عليها من ألفها إلى بائها، وأن حيز النقاش يكون دائما ، عن قصد آو غير قصد، محدودا جدا ، لتجنب الأسئلة المحرجة ، التي تفسد الأجواء . وبما أننا في طقوس رمضانية، اصطبغت هذه السنة بحراك الريف ، حيث الكل ''على سبّة وعلى نقشة '' و قابل لاشتعال كعود الكبريت . لذا يجب تجنب الأهوال، التي تبدأ بالشفوي وتنتهي بالدموي. فحتى الأسئلة التي يطرحها صحافيو عصر الفايسبوك فايسبوكية المفعول ، لا تشفي الغليل . إن جل مداخلاتهم تصب في نفس الاتجاه الببغاواتي.
فلولا الجمجمة الأثرية التي دار الحديث حولها في الجرائد الفرنسية أياما قبل تنظيم لقاء وزارة الثقافة ( 9 يونيو) ، ولولا رغبتي في معرفة المزيد حول هذا الموضوع ، لما ''رحلت'' إلى أكاديمية تبعد بكيلومترات عن مركز المدينة ، والتي صرنا لا نسمع أي شيء عن أعمالها ومنجزاتها ، وذلك مند أمد طويل . ومن حسنات هذه الجمجمة التي أكل التراب من عظمها الهش ، أنها استطاعت خلق الحدث أكثر من الجماجم الحية التي ينتظر منها التميز بإبداعاتها الفكرية والفنية والثقافية، كذلك استطاعت آن توقظ هذه المؤسسة التي تم تدشينها سنة 1980 من سباتها العميق. ففي إحدى قاعاتها مر الإملاء في ظروف تواصلية مضطربة، لأن تزاحم المصورين أفسد المنصة. مما دفع احد قدامى مصوري الشركة الوطنية ''السينيرتي'' إلى سب المهنة، حيث غادر القاعة وملامح الغضب بادية على محياه .
وما تم ملاحظته خلال هذا اللقاء هو أن مديري الأكاديميتين الذين خصص لهما مقعدين في المنصة لم يلقيا أي كلمة . اكتفيا بالصمت. كذالك لوحظ غياب الخبراء الأجانب الذين ساهموا في الاكتشاف الاركيولوجي الهام . كنا نتمنى حضورهم لنتأكد من صحة الأقوال، حول تاريخ هذه الجمجمة التي أقامت دنيا الأعلام ولم تقعدها ، من حقنا أن نطرح على الجانب المغربي السؤال الجوهري التالي : ''لماذا تم تنظيم هذا أللقاء بعد فوات الأوان، و لم يتم التنسيق مع الأجانب في مبادرة أكاديمية وإعلامية مشتركة وموحدة ؟ كانت تفسيرات الطاقم المغربي غير مقنعة: '' انتظرنا صدور مجلة نايتشر''. لكن هل الجانب الآخر انتظر صدور العدد المخصص للمغرب، لتنطلق الحملة الدعائية في فرنسا ؟ ثم لنفرض أن هذه المجلة لم تنشر الخبر لظروف خاصة بها، هل كان سيلغى اللقاء مع الصحافة المغربية ؟ هناك شيء مرتجل آو مبالغ فيه في هذه التصريحات، وأن الحقيقة الكاملة كانت ستظهر بحضور جميع الطواقم المشاركة في البحث والتمحيص ، جنبا إلى جنب، لنعرف ما فعل زيد وما فعل بيرنار. الآن وبعد الحملة الدعائية حول فرضية اكتشاف أقدم جمجمة للجنس البشري بالمغرب ، حان الوقت للتثبيت العلمي والتأريخ الابستملوجي، عبر شهادات آهل الاختصاص المحنكين من بقاع العالم. وذلك من خلال مناظرة دولية يُستحب تنظيمها في المغرب تحث عنوان ''ارهود11'' ، مع استضافة اركولوجيين لديهم مصداقية و معترف بهم وبليونتولوجيين بارزين يشهد لهم بكفاءتهم دون نسيان علماء الانتروبولوجيا، والمؤرخين ، والمختصين في تقنيات تأرخة الحفريات، والاناتوميون (علم التشريح) لأن أي حديث عن الجماجم البشرية يهم العلماء أجمعين، مادام أن دراسة متبقياتها الاركيولوجية تدلنا على بعض خصائص الإنسان القديم ، بمقارنتها مع خصائص إنسان العصر الحديث. ثم لا ننسى أن علماء الأحياء يعتبرون أن المخ هو المحرك الأساسي لبنية الإنسان، يتحكم في الجهاز العصبي وباقي الأعضاء الحيوية ، لذا يجب الاهتمام بوعائه المتمثل في الجمجمة .  
من الطرائف التي أثارت الضحك داخل القاعة ، طرح متدخل سؤالا حول الانتماء القبلي : ''واش الجمجمة ديال أمزيغي ولا ديال عربي ؟ '' . فمن خلال كاريكاتير هزلي خصصته للحدث ، يرد بوزغيبة على المتسائل خفيف الظل : '' على ما أضن  هاذ لكران ديال ولد خو ولد سيدنا نوح ''.
رزاق عبدالرزاق