س: منحتم جائزة بوزغيبة برسم سنة 2017 إلى كاتبة فرنسية من أصل مغربي (ليلى السليماني)، حدثونا عن المعايير التي رجحت كفتها، وهل كان هناك منافس، قبل الحسم في الاختيار؟
رزاق: بادئ ذي بدء اسمحوا لي أن أوضح شيئا بسيطا وهو أن جائزة بوزغيبة للفن الساخر، جائزة رمزية، ما يميزها عن باقي الجوائز الوطنية والدولية هما بعداها الثقافيان المتمثلان في فن الرسم وفن الكتابة. فالفن التشكيلي يساعدنا على انجاز "الطروفي"، ويكون مضمون اللوحة مستوحى من تجربة ومسار الفائز أو الفائزة. والجانب الببليوغرافي يأتي ليكمل دور "الطروفي" في عملية التأريخ، وذلك بإعطاء حيز أوسع للمتوجين، من خلال كتاب يسلط الضوء على جوانب أخرى تهمهم، مع التذكير بالمعايير المعتمدة منذ سنة التأسيس ( 2005) لاختيار من يستحقها، وهي سبعة. صدرت لحد الآن ثلاثة أجزاء من المونوغرافيا، منها واحد بفرنسا في حلتين ورقية والكترونية، مما يؤكد مصداقية العمل الذي نقوم به. فتطبيقا لهذه المعايير تم اختيار ليلى السليماني، ليس لكتبها، لأنها شبه خالية من السخرية، وإنما لسوء الفهم الممزوج بالضحك، والذي تمخض عن مواقفها ككاتبة حاولت ربط مؤلفاتها بحتمية النضال المجتمعي، بنكهة نسائية. فهي تشبه باتريسيا بيسينيني النحاتة الأسترالية التي أثارت منحوتاتها ضجة في الشرق الأوسط لتصل إلى المغرب، حيث امتزجت الأحاديث المتداولة على نطاق واسع، بعلم الغيب والشعوذة. لذا جاءت الجائزة في اللحظتين المواتيتين لمساندتهن. بعيدا عن أي بوليميك أو انتهازية. يمكن لأي مبدع أن يعتبر نفسه منافسا لنيل هذه الجائزة، التي تعتمد على النقد وليس النقود، كما هو متداول عند الأغنياء وأصحاب البترودولار، وبائعي الديناميت. ففي كل سنة مع حلول شهر دجنبر يتم إعداد لائحة المرشحين. جلهم يستحقون اللوحة الفنية، لكن تبقى فرصة الظهور المعمق في الكتاب هو الأوج والفارق. ولكي لا يحسبن البعض أننا نفضل المشاهير، نذكر أن في إحدى الدورات كان الشخص العادي الذي لُقِّب ب «علال القادوس» أقرب لنيلها، لكن ما عدا جملة أو جملتين حول إنجازه البطولي، إثر الفيضانات التي شهدتها المدن المغربية، ماذا سنكتب حوله في الكتاب، وكيف لشخص في أمس الحاجة إلى دراهم أن يقتنع بقيمة جائزة رمزية و لا مادية ؟
س: لنعد لبداية إعلان هذه الجائزة التي تبدو غريبة أو لنقل فريدة من نوعها ومثيرة، كيف تبلورت لذا الفنان عبد الرزاق رزاق فكرة الجائزة، قبل أن تخرجوا بها في أول دورة والتي حظيت بها النحاتة الاسترالية باترسيا بيسينيني سنة 2005؟ ولماذا هذا الاختيار؟
رزاق: كانت باتريسيا يبسينيني هي السبب والمنطلق. لم أكن أفكر في أي مشروع من هذا القبيل. لأني أعرف أن تنظيم الجوائز عمل مرهق ومكلف فكريا وجسديا. فديباجة البلاغات بثلاث لغات وتوزيعها على الصحف الورقية ليس بالأمر الهين . لكن ما راج من كلام خاطئ وفظيع، حول مجسمات صنعتها بيسينيني من مادة السيلكون، هو الذي دفعني لتقويم الاعوجاج. فكيف لشخصية بوزغيبة الهزلية أن تبقى مكتوفة الأيدي، بعدما رأى مبدعها بعينيه وسمع بأذنيه ما فعله الجهل بضعاف البصيرة؟ هكذا انطلقت الجائزة وكانت بيسينيني أولى متوجيها، خدمة للحقيقة وتصديا للفكر الخرافي. إن البصمة النضالية بدت منذ الانطلاقة.
س: يطرح اسم الجائزة «بوزغيبة» والذي استوحيتموه من اسم نبتة مغربية فريدة، الكثير من الاستفهام؟ نود منكم توضيحات تبرر اختياركم لهذا الاسم؟
رزاق: أحيلكم الى ما كتبه الكاتب المغربي محمد البحتوري، الذي بحث جليا في موضوع بوزغيبة وتعمق في خصائص هذه النبتة ووظائفها البيولوجية، كما ركز على رمزية الاستبطان والتوطين لبوزغيبة الإيقونة. فتحت عنوان: إطلالة على عالم عبد الرزاق رزاق، يقول البحتوري في إحدى فقرات مؤلفه القيم، الذي يضم مقاربة جديرة بالاهتمام :" فرحي مرده لكون هذا المتمرد في زيغه الفني خارج السكك المسكوكة، استطاع أن يتمكن من توطين وتجذير تجربته الفنية، بعدما اكتشف أن السبيل الوحيد إلى ذلك هو ضرورة ربطها بنبتة طبيعية مغربية قحة، لها جذور عميقة في التربة المغربية عبر تاريخها."
س: بعد أن منحتموها سنة 2006 للبرنامج التلفزيوني الثقافي "سيبا سورسيي’’، وسنة 2007 لمخترع فيزيائي وفنان هولندي ثيو جانسن، وسنة 2008 للمخرج السينمائي الصيني ييمو زهانغ الذي قام بإنجاز حفل افتتاح الألعاب الاولمبية، التي أقيمت في بلده، ستكون الجائزة لأول مرة من نصيب مغربي سنة 2009، وهو رائد الكاريكاتير بالمغرب الفنان العربي الصبان، كيف تفسرون هذه الاختيارات؟
رزاق: إن أي اختيار هو ابن لحظته. فالناقد الفني لا يلهو بالنقد. بل يترقب إلى ما تحمله الأيام من مستجدات ومفاجآت، والرسام لا يتصدق بلوحاته. فالمعيار الثالث الخاص بالجائزة يؤكد أنها لا تمنح للموتى، وإنما للأحياء الذين يتميزون بجودة عطائهم. إني لفخور بتتويج الشاعر المصري الكبير أحمد فؤاد نجم وهو حي. فعند استضافة ابنته من طرف بيت الشعر في معرض الكتاب والنشر، أخذت الطروفي الموجه لأبيها. ولأول مرة كتبت الصحف المصرية على جائزة بوزغيبة. نفس الشيء يقع مع الصينيين حينما اختير المخرج ييمو زهانغ. هذا الفنان المصمم أبهظ العالم بلوحاته الاستعراضية والمرحة. كان حلمي وليزال هو استضافة المتوجين لحفل تكريمي جماعي يقام على شرفهم في المغرب، لكن ليس لدي الامكانيات. فبعد تتويج ثيو جانسن الهولندي وفتح قنوات التواصل معه، كاتبت وزارة الشباب والمدرسة المحمدية للمهندسين من أجل استضافته، لكن لم أتوصل بأي رد، وحين التقيت بالسيد الكحص الذي كنت أتعاون مع جريدته كناقد سينمائي، حينما كان رئيس تحريرها، قال لي بأنه لم يتوصل بالملف، عندما كان مسؤولا على وزارة الرياضة والشباب. كم عانينا من التماطل الإداري. فحتى فرنسيو المغرب بدأ الكسل يعتريهم. كاتبنا مصلحة التعاون الثقافي التابعة للسفارة الفرنسية من أجل الحصول على هاتف ليلى السليماني وعنوانها الالكتروني لمحاورتها. فلازلنا ننتظر الرد. مع التذكير أن نفس المصلحة تكفلت سابقا بإرسال الطروفي الثاني الى منشطي البرنامج الثقافي والترفيهي "سيبا سورسيي".
س: يبدو مما ذكرتم أنكم اخترتم منذ البداية أن يكون أفق الجائزة عالميا، بحيث تكون الاختيارات غالبا غير متوقعة أو لنقل مدهشة، بحيث منحتموها خلال الدورات التالية لأسماء لامعة من فرنسا وإيطاليا ومصر والهند منهم شاروخان وبلانتو وبيتر بروك، في حين خصصتموها سنة 2013 للعبة كرة القدم، تبدو هذه الاختيارات مدهشة، فكيف تعامل الرأي العام والإعلام مع ذلك؟
رزاق: إن الضحك غريزة فطرية تهم جميع شعوب العالم. فحتى شعوب البيغمي صغيري القامة يضحكون. وحينما تعتمد الفكاهة على الحركات الجسدية كما كان يفعل شارلي شابلن، فهي تصبح أكثر شيوعا لأنها اختارت المسار الطبيعي الذي يتجاوز حواجز اللغة والنطق. لماذا كرة القدم ؟ لأن هذه اللعبة استطاعت أن تفجر المخزون الفكاهي لآلاف المغاربة عند استضافتهم للموندياليتيو الكروي. فبعد تأهل المغرب لنهائيات روسيا لاحظنا مرة أخرى الفرحة العارمة التي عمت البلاد. يوجد الطروفي في مقر الفيفا. ولازلنا نحتفظ برسالة الشكر الخطية التي بعث بها رئيس الفيفا السابق، والتي نشرتها الصحف بكاملها وعلى نطاق واسع. لكن مع الأسف عند تشكيل لجنة عليا لدعم ترشيح المغرب لاستضافة مونديال -2026، لا أحد تذكر الانجاز الرائع الذي حققناه. كنا ننتظر أن ينادى علينا لتعزيز موقف المغرب تجاه منافسيه، وهم شرسون ومن الحجم الثقيل، فيوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، فتنظيم تظاهرة رياضية من هذا الحجم، لا يهم فقط الوزراء وجامعة كرة القدم، فحتى الفنانون واللاعبون الدوليون القدامى لهم قيمتهم ودورهم في إقناع المصوتين.
أما في ما يخص الإعلام، فلا أؤاخذ على التقاعس إلا محرري الوكالة الرسمية للإنباء، لأنها قامت بتغطية دورتين وتنكرت للدورات الأخرى، مما يبين مزاجية هذه الوكالة التي تهتم بالشؤون السياسية، وتهمش عن قصد وسابق إصرار الشؤون الثقافية. أما قناة دوزيم، فهي تصرفت هي الأخرى بنفس المزاجية. لقد أرسلت إلي طاقما لتصوير لقاء معي لكن اختلفت مع الصحافي المبعوث حول الطريقة التي يجب أن يقدم من خلالها الخبر للمشاهدين. ألغي الخبر ولست نادما على ذلك. لذا انتهز هذه الفرصة للتنويه بالمنابر الإلكترونية التي أبانت عن مهنية محترمة في تغطية الحدث الأخير. أشكر الأصدقاء الشعراء الصحافيين الثلاثة: محمد بلمو، وسعيد عاهد، وعبد العزيز بنعبو، وكذلك الصحافية المقتدرة حفيظة الدليمي والصحافيين المحترمين محمد معتصم عن جريدة «الأحداث المغربية»، وسعيد منتسب عن جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، وأسماء أخرى كثيرة لا يسعني ذكرها جميعا. كنت كل سنة أضيف إلى البلاغ لائحة المنابر الإعلامية بصنفيها الورقي والالكتروني، لكن نظرا لكبر حجمها تخليت عن هذا التقليد. أعد الجميع بأنني سأنشر اللائحة بكاملها في الجزء المونونغرافي المقبل والذي سيصدر في فرنسا.
س: كيف تنظرون لمستقبل هذه الجائزة وهل سنفاجأ مرة أخرى بالاسم الذي ستمنح له برسم سنة 2018.
رزاق: كما قلت قبل قليل أي اختيار هو ابن لحظته. لا يمكن التنبؤ منذ الآن من سيكون الفائز ببوزغبة 2018. لأن السنة مكونة من 12 شهرا. وكل شهر يزخر بمعطياته. وما يجب التحلي به والاتزام به هو النزاهة وروح المصداقية، لأن بدون هذه الاخيرة، فلا قيمة لأي مشروع ثقافي ولأي جائزة أكانت مادية أو معنوية. كل ما أتمناه، هو أن تكون سنة 2018 سنة بوزغيبة بامتياز، وذلك من خلال التقديم مسرحية «الحائط» التي يلعب فيها دور البطل على الخشبة. أو من خلال الإخراج السينمائي لأن السيناريو مكتوب منذ مدة ولا ينتظر إلا المخرج الكفء والمناسب لتحويله إلى شريط. ففي المسرحية يحمل بوزغيبة اسم الغاضب، أما في السينما فسيحمل hسم Mister B. Zéguiba. والشريط فكاهي من الصنف الطويل مكون من ثلاثة أجزاء على شكل تريبتيك.
الكاتب : محمد بلمو
بتاريخ : 10/02/2018
No comments:
Post a Comment